...

ندوة الشواغر المتاحة في القطاع الخاص

ورقة
السيد عبد الغفار عبد الحسين عبد الله
الأمين العام للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين

في
ندوة الشواغر المتاحة في القطاع الخاص
وتوافر الكوادر الوطنية

بتنظيم من
غرفة تجارة وصناعة البحرين
وجمعية سيدات الأعمال

قاعة أوال فندق الخليج
الأربعاء 7 فبراير 2007م

الإرتقاء بوضع المرأة العاملة في البحرين
في ضوء الاتفاقية (111)

مقدمة:
إن من أهم ما كشفت عنه إحصائيات المشروع الوطني للتوظيف هو تزايد انخراط المرأة العاملة في سوق العمل بحيث أصبحت تمثل نسبة تقارب الـ 40% من مجموع القوة العاملة ونسبة تقارب الـ 60% من العاطلين عن العمل.
ومع أن تزايد نسبة البطالة بين النساء هي مؤشر سلبي إلا أن الجانب الإيجابي لهذه النسبة هو أن المرأة أصبحت تبحث عن عمل وتدون في سجلات الباحثين عن عمل وهو مؤشر على اندماجها المتزايد في العمل الاقتصادي.
وقد صادقت مملكة البحرين في عام 2000 م على الاتفاقية 111 لمنظمة العمل الدولية (بشأن التمييز في الاستخدام والمهنة)، وهي من الاتفاقيات المشمولة بإعلان المبادئ للحقوق الأساسية في العمل.
وتعرف الاتفاقية التمييز كمصطلح (بأنه أي تفريق أو استبعاد أو تفضيل يقوم على أساس اللون أو العرق أو الجنس أو الدين أو الرأي السياسي أو الأصل الوطني أو الأصل الاجتماعي ويكون من شأنه إبطال أو إضعاف تطبيق تكافؤ الفرص أو المعاملة في الاستخدام والمهنة).
وبغض النظر عن أنواع التمييز الأخرى الموجودة لدينا فإن هذه الورقة تستهدف عرض أشكال التمييز على أساس الجنس الذي تقع ضحيته المرأة العاملة تحديدا في مختلف مواقع العمل.
ان الاتفاقية 111 تنص على أن أشكال التمييز التي تنطبق عليها الاتفاقية تحددها الدولة العضو في م ع د بالتشاور مع منظمات أصحاب العمل والعمال إن وجدت وهو ما لم يحدث حتى الآن، حيث لم يعقد اجتماع ثلاثي لبحث أشكال التمييز التي تتعارض مع نصوص الاتفاقية والتي تعتبر في حكم القانون الوطني بعد مصادقة المملكة عليها.
كما تلزم الاتفاقية الدول المصدقة عليها بأن تسن من التشريعات والقوانين وتضع من الإجراءات ما يحد من أشكال التمييز وما يضمن تكافؤ الفرص وخصوصا في الوصول إلى التدريب المهني والوصول إلى الاستخدام في مهن معينة. كما تلزم الاتفاقية الدول المصدقة بأن تضمن تقاريرها السنوية كل ما قامت به لجعل أوضاعها تتطابق مع الاتفاقية 111.

أشكال التمييز:
للتمييز شكلان مهمان يمكن تصنيفهما كالآتي:
1 – التمييز المباشر: وهو التمييز المنصوص عليه من خلال قوانين أو تشريعات أو قرارات أو إجراءات موثقة تنص على التفضيل أو الاستبعاد لأسباب تتعلق بالفئات المميز ضدها.
2 – التمييز غير المباشر: وهو الأخطر لأنه من الصعب والمكلف متابعته، حيث لا يكون عن طريق إجراءات أو تشريعات مكتوبة وموثقة بل وفق ممارسات من أصحاب العمل أو الحكومة أو زملاء العمل أو جهات القرار أو المجتمع.

التمييز المباشر (أو التمييز المقنن):
لم ينص القانون 23 لسنة 1976 م على عدم التمييز لكنه نص على حالة محددة هي عدم فصل المرأة أثناء إجازة الحمل. وبرغم أن الاتحاد العام أثناء مناقشته تعديلات قانون العمل في مشروع القانون الجديد طالب بتضمين القانون مادة تنص على أن العمل حق تكفله الدولة للمواطنين بدون تمييز إلا أن الطرف الحكومي احتج بأن هذا منصوص عليه في الدستور.
إن عدم النص على التمييز ضد أية فئة هو طبعا شيء جيد ولكن تطابقا مع الاتفاقية 111 التي صادقت عليها البحرين يجب النص على عدم التمييز أيضا. فلا يكفي ألا يكون هناك قانون يشرع التمييز بل يجب أن يكون أيضا هناك قانون يحرم ويجرم التمييز.

التمييز غير المباشر:
إن مشكلة التمييز غير المباشر هي أنه نتاج ثقافة مجتمع ويتم ارتكابه عبر إجراءات غير موثقة وغير مكتوبة مثل رفض توظيف المرأة في مهن معينة مثل صعوبة وصولها للتدريب والترقي المهني وتحسين الكفاءة والإنتاجية ومثل منع توظيفها أحيانا بسبب الزواج أو الحمل أو الرضاعة أو غير ذلك من الممارسات التي تكرس التمييز وتجعله في حكم العرف الذي يصل إلى حد القانون غير المكتوب.

كيف يمكن تشخيص التمييز غير المباشر:
لهذا النوع من التمييز عدة مظاهر يمكن رصدها في واقع المرأة العاملة لتتم معالجتها بإجراءات مكتوبة، فالأمر الأكيد أنه لكي تتم معالجة التمييز غير المكتوب لا بد من وضع إجراء مكتوب، إذا لا يكفي في هذا الشأن مجرد توجيه النصح والمشورة حيث الأعراف المجتمعية في سوق العمل وخارجه أقوى من كل المواعظ. ومن أهم الأشكال المرصودة للتمييز غير المباشر ما يلي:
1 – التمييز في العلاوات الاجتماعية: تمنح بعض الشركات في البحرين علاوة اجتماعية للمتزوجين الذكور فقط بينما تمنح الإناث علاوة العازب حتى لو كانت متزوجة. ويعود ذلك بشكل أساسي إلى العرف الاجتماعي القاضي بأن المرأة ليست مسئولة عن مصروفات المنزل والعائلة. وبرغم أن الأعراف قد تغيرت إلا أن الفكرة لم تأخذ قسطها من التغيير. ومؤخرا تمكنت بعض النقابات العمالية من تغيير هذا المفهوم، كما صدر قرار من سمو رئيس الوزراء بوقف حرمان المرأة من العلاوة الاجتماعية إذا كانت متزوجة من رجل يعمل في القطاع الحكومي وهو التمييز الذي كان ساريا لفترة طويلة من الزمن.
2 – تركز المرأة في القطاعات المتدنية الأجر: كان لدخول المرأة سلك التعليم متأخرة عن الرجل لعدد من السنوات إذ أدى ذلك لتأخرها في دخول سوق العمل أيضا، وكذلك تأخرها في الحصول على فرصتها من التعليم الجامعي. فيما بعد سيؤدي ذلك إلى اقتصار المرأة المتوسطة أو المتدنية التعليم على العمل في قطاعات هي الأدنى في الأجر و الامتيازات مقارنة بالرجل الذي في نفس مستواها. ومن أبرز الأمثلة على ذلك قطاعان كبيران ومهمان هما قطاع الملابس الجاهزة الذي لا تتجاوز الأجور فيه حاجز المائة وعشرين دينار وقطاع الرياض والحضانات الذي بالكاد نصل فيه الأجور إلى 80 دينار، وهناك من بين العاملات في قطاع رياض الأطفال حاملات لمؤهلات البكالوريوس والدبلوم.
بالنسبة للذكور فإن أدنى أجر في البحرين هو مائة وخمسين دينار وتعمل به نسبة محدودة جدا من الذكور.
3 – التمييز ضد المرأة بسبب الحمل أو الرضاعة أو الزواج أو التحجب أو السفور:
أ: عدم تنفيذ القانون: برغم وجود نص صريح في قانون العمل بحق المرأة العاملة في إجازة أمومة تشمل فترة الوضع وما قبلها وبعدها ومدتها 45 يوما مدفوعة الأجر، إلا أن بعض أصحاب العمل خصوصا في المؤسسات البعيدة عن رقابة وزارة العمل والتفتيش أو تلك غير المحددة لأي قطاع تنتمي مثل رياض الأطفال التي يتقاسم فيها المسئولية كل من القطاع الخاص والقطاع الحكومي لا تتمتع المرأة بهذا الحق وهناك حالات مؤكدة خصمت فيها إجازة الأمومة من الإجازة السنوية أو أعطيت مدة أقل من القانون. وتجدر الإشارة هنا إلى ضعف وعي العاملات بحقوقهن له دور كبير في هذا الموضوع بالإضافة إلى أن طبيعة علاقة العمل في هذه المؤسسات ملتبسة فقد تكون علاقة أقرب إلى الألفة والصداقة أو العائلية منها إلى العلاقة بين صاحب عمل وعامل وهو ما يضعف مركز العاملات في المطالبة بحقوقهن، وكذلك لعدم تمكن بعض أصحاب العمل في هذه المؤسسات من تحمل كلفة هذه الإجازات حسب القانون.
ب: التمييز بسبب الحمل والحجاب أو السفور: برغم أنه لا توجد إحصائيات دقيقة لهذا النوع من الممارسات، إلا أن حالات ليست بالقليلة قد تعرضت لرفض الاستخدام بسبب الحمل أو بسبب الرضاعة وإذا كان القانون ينص على عدم إقالة المرأة أثناء إجازة الحمل والرضاعة فإن القانون سكت عن عدم الاستخدام وهو ما يتعارض صراحة مع نصوص الاتفاقية 111 التي صادقت عليها مملكة البحرين والتزمت بوضع تشريعات وقرارات تتطابق معها. كما تقوم بعض المصارف برفض توظيف المنقبات والمحجبات.  إن ما يجعل من هذه الممارسات ينطبق عليها مصطلح التمييز على أساس الجنس هو أن ضحاياها لا يمكن أن يكونوا إلا نساء ليس بينهم رجل يتعرض لنفس التمييز بسبب اللباس. ويزيد من صعوبة الأمر في مجتمع محافظ أن الرجل أكثر قدرة على التكيف، بالنسبة للباس والهيئة الخارجية، فهو أكثر قدرة ومرونة على التضحية بذلك في سبيل الحصول على عمل دون دفع كلفة اجتماعية بينما لا يمكن للمرأة تحمل ذلك.
4 – التحرش الجنسي:
إن وجود المرأة في مجتمع محافظ يهيمن فيه الرجل بطبيعته على مركز القرار الاجتماعي يجعل المرأة عرضة للتحرش الجنسي تحت طائلة الفصل من العمل أو التهميش والحرمان من فرض الترقي في السلم الوظيفي.
إن ما يجعل من هذا التحرش ممكنا حتى في بيئات العمل المحافظة هو أن المجتمع ينظر لهذه الأمور بتسامح كبير طالما كانت في إطار الشرع الديني مثل لو كانت في شكل طلب الزواج أو الارتباط، دون الالتفات إلى أنه حتى في حالة الطلب الشرعي دينيا فإن احتمال تعرض الضحية لضغوط تتعلق بعملها أمر ممكن جدا، وبالتالي فإن التحرش هنا ليس فقط هو محاولة خلق علاقة غير شرعية بل حتى في حالة خلق علاقة شرعية دينيا.

كيف نعالج هذا التمييز:
من خلال ما أوردناه أعلاه يتّضح لنا أن أغلب أشكال التمييز هي من النوع غير المباشر وهو كما أسلفنا أكثر خطورة لأنه يرتبط بالأعراف والثقافة المجتمعية، ولكن تغييره يحتاج لتشريع مباشر وواضح لا يحتمل التأويل. ولهذا فإن التصديق على الاتفاقيات لن يجدي نفعا دون مراقبة الواقع العمالي وعقد مقارنة بين التشريع والممارسات على الأرض.
وقبل أن نقترح أي تشريع معين نعتقد أن الاتفاقية 111 شأنها شأن جميع اتفاقيات منظمة العمل الدولية م ع د هي اتفاقيات معني بها جميع الشركاء الاجتماعيين وهم الحكومة والعمال وأصحاب العمل ولا يمكن بل لا يحق لأي طرف من هذه الأطراف أن يكون مسئولا وحده عن تطبيقها، فمنظمة العمل الدولية أصلا من أهم مبادئها التشاورية الثلاثية.
لذلك نرى أن أهم الأولويات في هذه الفترة تشكيل لجنة ثلاثية للمادة 111 تقوم برصد حالات التمييز بجميع أشكالها وخصوصا التمييز على أساس الجنس وتقوم باقتراح التشريعات اللازمة لتمكين البحرين من مواءمة أوضاعها مع الاتفاقية، من خلال إزالة التمييز المباشر وغير المباشر. وتقدم تقريرها الدوري للحكومة مبينة فيه إنجازاتها وإخفاقاتها ليرفع ضمن التقرير الدوري عن الاتفاقيات المصادق عليها إلى م ع د.
كما نعتقد كاتحاد عام بأهمية انضمام المملكة للدول التي صادقت على اتفاقية م ع د لحماية الأمومة 183 لعام 2000 وما يميز هذه الاتفاقية أنها حديثة الإنشاء وأنها استفادت من التشريعات المتقدمة التي كانت تتفوق على معايير المنظمة سابقا في هذا المجال.
بالنسبة للحركة النقابية نعتقد جازمين أن هناك قصور كبير في تأهيل وزيادة العضوية النسوية وفي تمكينها من القيادة في النقابات العمالية مع عدم تجاهل حقيقة أن موقع المرأة في العمل النقابي هو الأفضل قياسا بالعمل السياسي والاجتماعي فقد حازت ثقة الناخبين في القواعد النقابية منذ زمن طويل في الوقت الذي لم توفق في ذلك نيابيا.
ومع ذلك، يجب العمل على زيادة التمثيل النسوي في هذه الحركة ضمانا لأن تحمل المرأة على عاتقها مواجهات الإشكالات المتعلقة بالتمييز ضدها في مواقع العمل في الاستخدام والمهنة.

عبد الغفار عبد الحسين عبد الله
الأمين العام للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين
7 فبرايــر 2007م

Image Gallery

Seraphinite AcceleratorOptimized by Seraphinite Accelerator
Turns on site high speed to be attractive for people and search engines.